صفحات الثقافة

إعادة بناء الاستبداد/ ستيف هايدمان

ترجمة أحمد عيشة

المحتوى

مقدمة

إرث الدولة والأنظمة الاقتصادية في زمن الحرب وإعادة الإعمار بعد انتهاء الصراع

الأوامر الاقتصادية في زمن الحرب: الآثار المترتبة على إعادة الإعمار بعد الصراع

الاستنتاج

تستدعي المناقشات السياسية والأكاديمية، حول سورية وغيرها من البلدان التي مزقتها الحروب في الشرق الأوسط، بشكل روتيني، مفهوم إعادة الإعمار. في الأدبيات المتعلقة بحل الصراعات والتنمية، تُعرّف إعادة الإعمار في مرحلة ما بعد الصراع بشكل منتظم، من حيث التحوّل. وليس الهدف من إعادة الإعمار في مرحلة ما بعد الصراع إعادة المجتمعات والدول التي مزقتها الحرب إلى ظروف ما قبل الحرب، بل الاستفادة من المساحة التي يُفترض أن يخلقها الصراع العنيف، لوضع المؤسسات والمعايير والممارسات، التي تعالج أسباب العنف وتوفر الأساس للحكم الفعال والسلام المستدام، في مكانها الصحيح، وهذا يشمل تحويل أطر الحوكمة الاقتصادية، بحيث يمكن تهيئة ظروف “الوضع الطبيعي” الاقتصادي، وهي ظروف تختلف عن تلك التي تعمل أثناء الصراع. في هذه الورقة، تنجح عملية إعادة الإعمار من خلال “تحويل البلدان الخارجة من الصراع إلى دول عاملة، يمكنها تقديم الخدمات العامة الأساسية لمواطنيها”. نحن نعلم أن عملية إعادة الإعمار تعمل عندما “لا تُعدّ السمات الرئيسة للاقتصاد تنبع من الحرب، بل من الظروف العادية للاقتصاد”.

لا أحد يتخيل أن هذه التحولات سريعة أو سهلة. وهناك اعتراف واسع النطاق بين الدارسين والممارسين بالتباين الهائل القائم بين البلدان الخارجة من الصراع، والتحديات الهائلة التي تواجهها عملية إعادة الإعمار بعد انتهاء الصراع. وهناك قليل من السذاجة بين الأخصائيين بخصوص الطرق العديدة التي يمكن أن تخطئ بها عملية إعادة الإعمار بعد انتهاء الصراع. ومع ذلك، فإن الافتراض الأساسي بأن إعادة الإعمار الناجحة تتطلب تحويل أنظمة الحكم، والاقتصادات السياسية، والمعايير الاجتماعية التي كانت قبل الحرب، يظلّ أساسيًا بالنسبة إلى الأفكار العالمية لكل من الممارسين والباحثين، وكذلك الافتراض بأن الاقتصادات السياسية التي تنشأ أثناء الصراعات العنيفة غير طبيعية، وتعيق أداء الاقتصادات “العادية” في مرحلة ما بعد الصراع التي تُعدّ أساسية لنجاح إعادة الإعمار.

ما مدى فائدة هذه الافتراضات في تفسير السياسة والاقتصاد السياسي لإعادة الإعمار في حالة مثل سورية التي يبدو أنها تدخل مراحل النهاية لحرب أهلية وحشية ومدمرة بشكل استثنائي؟ وأجادل بأنها ذات قيمة محدودة، ويمكنها أن تشوه السياسات والتحليل الأكاديمي على حدّ سواء. إن تعريف إعادة الإعمار في مرحلة ما بعد الصراع من حيث التحول لا يخبرنا إلا بقدر ضئيل نسبيًا عن الكيفية التي يفهمها نظام الأسد، وسوف يسعى لتحقيقها. فضلًا عن ذلك، فإن المعايير أو المؤشرات لتقييم نجاح إعادة الإعمار التي اقترحتها هذه الكتابات لا تقدّم إلا قليلًا من الرؤية الثاقبة للفاعلية التي يعمل بها نظام الأسد للنهوض بمفهومه الخاص، المختلف تمام الاختلاف، عن كيفية إعادة بناء الاقتصاد السياسي في سورية.

لتقييم تجربة القضية السورية ومسارها المحتمل، وربما حالات أخرى مماثلة، من ضمنها ليبيا واليمن، يتطلب الأمر فهمًا مختلفًا لماهية إعادة الإعمار وكيفية شغلها. تتبلور الجهود الرامية إلى إعادة بناء البلد كجزء حاسم الأهمية في إستراتيجية أوسع لإعادة الإعمار الاستبدادي. ولهذه الإستراتيجية ثلاثة أهداف مترابطة: استعادة قدرة النظام على انتزاع الموارد من اقتصاد مجزّأ بسبب العنف؛ إعادة تأكيد سلطته على الشبكات الاقتصادية التي تشكل العناصر الأساسية في الائتلاف الحاكم للنظام؛ إعادة إرساء سيادة النظام على سورية كلها، كما كانت قبل عام 2011، وذلك بصورة جزئية من خلال إعادة بناء سوق وطنية مجزأة.

إن هذا الفهم لعملية إعادة الإعمار بعد الصراع، بكونها عملية إعادة بناء استبدادية، لا يتجاهل مدى إعادة تشكيل الصراع للاقتصاد السياسي السوري، أو أن إعادة الإعمار سوف تحتاج إلى تكييف أساليب الحكم الاقتصادي قبل الحرب، مع حقائق ما بعد الصراع. ومع ذلك، فإنه يبدأ من ملاحظة أن كل ما يفعله النظام للنهوض بإعادة الإعمار بعد انتهاء الصراع لا يُقصد منه وضع نوع من “العقد الاجتماعي الشامل” الذي أصبح ينظر إليه على أنه النتيجة المفضلة لعمليات إعادة الإعمار، ولكن لتعزيز وإعادة تأكيد سلطته على النشاط الاقتصادي، الرسمي وغير الرسمي على حد سواء، وتنشيط وتجديد الائتلافات والاتفاقات العدوانية التي اعتمد عليها النظام تاريخيًا.

وتستند المقاربة المقترحة هنا إلى دراستي المستمرة في الاقتصاد السياسي للحروب الأهلية في الشرق الأوسط. وتبني على المؤلفات الناشئة عن اقتصاديات الصراع، وحكم المتمردين، وإعادة بناء ما بعد الصراع (التي غالبًا ما تكون بمثابة حقل فرعي للدراسات التنموية)، ولكنها تنطوي على تحديات. وقد اتجهت هذه الدراسات إلى تصور (بناء تصورات) الاقتصادات السياسية في زمن الحرب، من حيث النيات والحوافز التي تشكّل سلوك النخب في الدولة، سواء أثناء الصراع أم في فترة ما بعد الصراع. وتميل هذه الدراسات إلى تعريف الحرب الأهلية على أنها علامة على انهيار المؤسسات والمعايير والممارسات الاقتصادية قبل الحرب.

بدلًا من ذلك، تبرز مناقشتي الدرجة العالية من الاستمرارية التي تتجلى في أطر الحكم الاقتصادي من فترات ما قبل الحرب إلى زمن الحرب في الأنظمة الاستبدادية الفاسدة العدوانية مثل النظام في سورية. والواقع أنني أود أن أجادل بأن الاستمرارية في أساليب الإدارة الاقتصادية، بدلًا من التمزق أو الانهيار، هي السمة المميزة للنظام الاقتصادي في زمن الحرب الذي أصبح راسخًا في سورية منذ عام 2011.

بعد تسليط الضوء على أهمية الاستمرارية في المعايير والممارسات الاقتصادية التي تشكل الاقتصاد السياسي في سورية، لا أقصد التقليل من مدى تأثر اقتصاد البلاد بما يقرب من عقد من الصراع العنيف. ما كان ذات يوم سوقًا وطنيًا قد تحطّم. لقد انهارت القطاعات الصناعية والتصنيعية والزراعية، وستستغرق إعادة بنائها أعوامًا. تسببت الحرب أيضًا في حدوث إعادة خلط داخل نخبة رجال الأعمال، وأعادت إلى حدّ ما تشكيل البيئة الاجتماعية للاندماج الاقتصادي والتهميش. وبذلك، لا يعني استخدامي لمصطلح الاستمرارية أن شيئًا لم يتغير. ومع ذلك، فإن ما كان مستقرًا هو القواعد والممارسات الأساسية التي تنظم السلوك الاقتصادي. كان الاقتصاد السياسي في سورية فاسدًا وعدوانيًا ومشخصنًا وما يزال كذلك. لقد كانت تلك القواعد والممارسات راسخة في شبكات معاملات التبادل الاقتصادي التي تعبر الخطوط السياسية والطائفية والجغرافية، وتعبر حدود الصراع والحدود الوطنية أيضًا، وما تزال كذلك. لقد تغيرت بنية هذه الشبكات، وتغيرت السلع والخدمات التي تتحرك من خلالها، وتغير تكوينها. ومع ذلك، فإن المبادئ الأساسية التي يعمل على أساسها الاقتصاد السوري لم تتغير. لم تتسبب الحرب، كما تفترض الكثير من أدبيات الحرب الأهلية، في حدوث انفصال بين اقتصاد ما قبل الصراع المحدد بمصطلح “الوضع الطبيعي”، واقتصاد الصراع الذي يُعرّف بأنه استثنائي في خصائصه.

يمكنكم قراءة البحث كاملًا بالضغط على الرابط التالي

إعادة بناء الاستبداد/ ستيف هايدمان

مركز حرمون

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى